عادات حفل الزفاف وتقاليد ليلة العمر









   لكل عادة من عاداتنا وتقاليدنا المتداولة جذور تعود إلى التاريخ القابع في الزمان القديم ، وتتحكم بعض الأساطير والخرافات القديمة في تشكيل جزء من هذه العادات بشكل كبير في حين أنّ البعض منها تتخذ شكلاً عقائدياً ثم تتطور لتصبح أمراً وسلوكاً اعتيادياً ، وكما قال المثل اليوناني : " العادة ملكة العالم " فإنّ هذه العادات تنتشر بين العديد من الشعوب حول العالم ، إحدى تلك العادات والممارسات التي أصبحت شائعة هي تقاليد الزفاف بكل تفاصيلها بدءاً من ارتباط الزوجين بخاتم الخطوبة، انتهاءً بكعكة الزفاف والباقة وشهر العسل وغيرها من التقاليد التي يرجع نشوءها إلى العديد من الحضارات العريقة مثل الفراعنة في مصر والحضارة الرومانية واليونانية.

في هذا التحقيق نستعرض بعضٌ من منشأ وبداية هذه التقاليد ، وشيئاً من غرائبها التي لا تخطر على البال.


بقاء النسل
    يعود أصل الزواج حسب اتفاق المؤرخين إلى ماقبل 23 ألف عام ، حيث ابتدأ بشكل بدائي وغير رومانسي البتّه،  فعندما بدأ البشر يزاولون مهنة الزراعة ،  تحوّل الصيادين الذكور إلى مُزارعين وبدأت أدوار الجنسين تنقسم فأصبح الذكر مسؤولاً عن جمع الغذاء بينما الأنثى تفرغت لتُشكّل الأجزاء المنزلية وتهتم برعاية الأطفال ، وهكذا أصبح الزواج ضرورة كوسيلة تضمن بقاء النسل.



زواج بالخطف !

    في شمال أوروبا قبل 200 عام قبل الميلاد ، نبتت بذرة الاقتران بالشريك من ذات الموقع الجغرافي والتي يعتمد عليها بعض الشعوب اليوم ، حيث اعتاد رجال القبائل الجرمانية " وهي القبائل التي سكنت بمحاذاة القبائل الرومانية " ،  على الزواج من فتاة تقطن في نفس قريته أو محِلته ، وحين يقل وجود النساء يتجه إلى خطف فتاة من قرية مجاورة بالتعاون مع احد الرجال من أصدقائه أو زملائه ، ومن ثمّ تستكمل إتمام مراسم الزفاف بحضور الأهل وبقاء " الإشبين" واقفاً على رأس العريس طوال مدة الزفاف ، ومن هنا ظهر تقليد " الإشبين " أو الشاهد على الزواج ، ومن الطريف أنّه جرّاء حوادث الاختطاف تلك نشأت عادة أخرى أصبحنا نشير لها بالعواطف إلا أنّ أصلها ناشئ عن الخطف وهي عادة حمل الرجل لعروسته عند دخولها إلى منزلها الجديد من باب منعها من الهرب.

   وتجدر الإشارة إلى أنّ عادة خطف المرأة لازالت دارجة حتى القرن الحالي في بعض الدول مثل كازاخستان والشيشان وانغوشيا ، على الرغم من التطور المعرفي الهائل ! ، ومن الغريب أنّ السلطات الحكومية لتلك الدول ترى أن هذا التقليد يُعبّر عن الرومانسية حيث أنّ الفتاة ترى في الخطف تجسيداً لقصص الحب الخيالية وتتمنى أنّ يخطفها رجل وسيم! 




عربون الزواج
  وجد بعض علماء التاريخ وصفاً دقيقاً لخاتم الخطبة وذلك من خلال تفسيره لغوياً ، فوجدوا أنّه عائد للغة اللاتينية  " أرهاي " والتي تعني " العربون " ، ففي عهد الرومان الكاثوليك تحديداً ، كانت الكنيسة تفرض على العريس أو طالب الزواج تقديم خاتم مصنوع من معدن ثمين للعروس ، كما ظهر في ذلك العصر عادتين ترافقت مع ظهور الخاتم وهي مصادرة الخاتم من الرجل الذي لا يُقدّم عربون الزواج " وهو خاتم الخطبة المعدني للعروس "، والعادة الأخرى التنازل عن الخاتم من قبل المرأة التي تفسخ الخطبة.

   ومن وجهة نظر أخرى يرى مؤرخين آخرين أن خاتم الخطبة مازال مثار جدال ونقاش ، فيرى البعض أنّه رمزاً للقيود والأصفاد ، وقد استخدمته القبائل البربرية لإجبار العروس للبقاء في منزل زوجها ، في حين أنّ شق ثالث من المؤرخين يرون أنّه تقليد يعود إلى مملكة مصر القديمة ماقبل 2800 قبل الميلاد ، فالحلقة الدائرية التي ليس لها بداية ولانهاية تمثل الخلود الذي يرونه الغاية الوحيدة من الزواج، وكانوا يرتدون الخواتم المصنوعة من ورق البردي ومن ثمّ تمّ استبدالها بخواتم الحديد والذهب من قِبل الرومان ، كما أنّ وضع الخاتم في البنصر أو الإصبع الرابعة "على حد تعبيرهم " يعود إلى المصريين حيث كانوا يعتقدون أن ذلك الإصبع يحتوي على عرق يصل إلى القلب ، في حين أنّ آخرين يعتقدون أنّ أطباء الإغريق في القرن الثالث عشر قبل الميلاد همّ من اكتشف ذلك!
الخاتم الألماسي

    يُقال بأنّ تقليد خاتم الخطوبة الألماسي ابتدأ من قِبل الدوق ماكسيميليان من النمسا، عندما عرض الزواج على محبوبته ماري من منطقة بورغندي الفرنسية، ومن الطريف أن بعض الروايات الأخرى تذكر بأنّ أول من ارتدى ذلك الخاتم الألماسي هي فتاة عمرها سنتان فقط وهي الأميرة ماري ابنه هنري الثامن بمناسبة خطوبتها على دوفين فرنسا ابن الملك فرانسيس الأول ، وصُممت لها مجموعة من الخواتم لتتناسب مع الذوق الملكي للأميرة الصغيرة بحيث يتم تغيير الخاتم بين فترة وأخرى.




فستان الزفاف الأبيض للحرق!

  من المعروف أنّ البشر في الآونة القديمة اعتمدوا في زيّهم الألوان الداكنة لإخفاء البقع والأوساخ ولم يكن من المألوف أن يُقدِم المتزوجين على شراء ملابس جديدة إلا أبناء الملوك وطبقة الأثرياء ، وبحسب المؤرخين أن الملكة فيكتوريا " ملكة المملكة المتحدة " هي أول من سارت في ثوب أبيض واعتُبر ذلك فضيحة في ذلك الوقت ، إلا أنّه مع مرور الوقت اعتمدت العائلات الثرية تجهيز العرائس باللون الأبيض علامة على الثراء وبأنهم يمتلكون المال لحرق الملابس التي يتم ارتدائها مرة واحدة فقط !



وقوف العريس على اليمين ليس من الإتيكيت!

   وقوف العريس يمين العروس أثناء مراسم الزفاف يُقال بأنّه أحد أساليب " الإتيكيت " الحديث ولكن ماهو أبعد من ذلك أنّ لهذا السلوك أصلٌ يعود إلى الشعوب البربرية التي سكنت شمال أوروبا حيث كان الرجل يضع زوجته " بعد خطفها " على يساره ليحميها ، وتبقى يده اليمنى حرة لتوجيه السلاح في حال التعرض لأي هجومٍ مفاجئ.



باقة العروس من حبوب وثوم ! 

     في العصر الروماني القديم ، كانت الأساطير لديهم تُشير بأنّ القمح وبعض الحبوب الأخرى تجلب الحظ الحسن وتُبعد الأرواح الشريرة ، لذا فكانت أول باقة للعروس في العهد الروماني أنّ تحمل الفتاة أثناء زفافها قمعاً يحتوي على بعض الأعشاب والثوم والحبوب!



رش الأرز على العروس وتحطيم "الكيك" على رأسها!

   غالبية الحضارات القديمة اتفقت على أنّ الأرز أحد علامات الازدهار والخصوبة ، لذا كانت العادات القديمة تقتضي بأنّ يتم رش حبات الأرز أو أحد أنواع الحبوب الأخرى على الزوجين لجلب الحظ الحسن لكليهما ، وقبل حوالي 100 عام قبل الميلاد قام خبازيّ الرومان بإعداد بعض أنواع الكعك الصغيرة ليتم تناولها في حفلات الزفاف ، إلا أنّ كراهية المدعوين في تلك الحفلات لترك عادة رش القمح والحبوب على الزوجين جعلتهم يقذفون ذلك الكعك أو يحطمونه على رأس العروسين بدلاً من تناوله!



موسيقى الزفاف من قِبل العروس

   تخصيص موسيقى خاصة لسير العروسين في ليلة زفافهما يعود إلى البريطانيون ، حيث تقوم العروس بالسير باتجاه الهيكل في الكنيسة على ترنم أوبرا " لوهنغرين " للموسيقار الألماني " ريتشارد فاغنر " ، ثم يخرج العروسان من الكنيسة على أصخب وأسرع حركة للمعزوفة " أحلام أيام منتصف الصيف " لمؤلفها " فليكس ميندلسون "  ، وابتدأ هذا التقليد في الزفاف الملكي عام 1858م الذي تمّ فيه عقد قرآن الأميرة "فيكتوريا" البريطانية على الأمير " فريدريك وليم " أمير في روسيا ، حيث اختارت الأميرة بنفسها تلك الألحان ، وجرت العادة على ذلك حتى اليوم.  



شهر العسل والاختفاء!

      يوجد فرق كبير بين أصل معنى " شهر العسل " وبين معناه الحالي ، فشهر العسل بدأ عندما كان يقوم رجل من مجتمعات شمال أوروبا بخطف زوجته ، حينها يخفيها عن الأنظار لفترة من الوقت ولا أحد يعلم بذلك سوى أقرب أصدقاء العريس ، وجاءت تسمية ذلك الشهر بشهر " العسل " لتقليد مارسه قدماء أوروبا  حيث كان المتزوجين الجدد يقومون بشرب كأسٍ من الخمر المُحلّى بالعسل " الميد " كل يوم طوال الشهر الأول، ومن الطريف أنّه تم اعتماد شهر واحد فقط لذلك فوفقاً للأوروبيين الشماليين الشهر يعني دورة الجسد السامية والإلهية وعلاقتها بكلمة " عسل"  تدل على أنّ ليست كل الأشهر في الحياة الزوجية بحلاوة الشهر الأول.


تعليقات