لوحات عالمية حيّرت الأشخاص عبر التاريخ



  يقول الرسام الاسباني بابلو بيكاسو : " سر الفن في أنّ تجد بدلاً من أن تبحث " ، ولكن ما ينطبق على باقي العلوم الطبيعية والإنسانية ينطبق أيضاً على الفن فلكل قاعدة شواذ ، وقد تتفرد تلك الأمور المخالفة بالكم الكبير من الإبداع كما قد تتسم بالغرابة و اللامفهومية فتخلق التساؤلات وتثير الجدل ، وقد اتخذ فن الرسم أشكالاً عدة منذ العصر الأولي للإنسان وماقبل التاريخ حيث رسم الأفراد حينها على الكهوف ما جاور حياتهم من حيوانات وبعض الرموز ذات الطابع السحري من وحي خيالهم ومن ثم الرسم التشكيلي وعصر النهضة الذي تشكلت فيه المدارس التشكيلية تلاه التصوير المعاصر .

هنا نستعرض بعض من تلك اللوحات الفنية التي لاقت شهرة واسعة لغرابتها وحيّرت النقاد والتشكيليين جرّاءها : 


جنون دالي ، وإصرار الذاكرة !

بلا شك هو أحد عباقرة القرن العشرين وهو أحد مؤسسي الفن السريالي وأكثرهم براعة ذلك الفن الذي يمزج بين دواخل النفس البشرية وبين الواقع فيُنتج صوراً إبداعية قد تكون مخيفة أحياناً وقد تكون خادعة ومجنونة أحياناً أخرى ، صاحب الشارب الأكثر سخرية في العالم " سلفادور دالي " أسست  لوحات ذلك العبقري نموذجاً متفرداً قائم على الخداع البصري ، لوحاته اليوم أصبحت أداة ملهمة وضرورية بيد الأطباء النفسيين لمعرفة مدلولات النفس البشرية ، فهناك لوحة "الرجل / الزوج مع كلب نائم " في عام 1948 م ، وَ " زوج من المسنين أو موسيقار " في عام 1930 م ، وَ " الشفاه الغامضة في الجزء الخلفي من الممرضة " في عام 1941 م ، وَ " راقصة البالية في رأس الموت " في عام 1939م ، كل تلك اللوحات وغيرها الكثير التي تستدعي الدهشة ، حيث أنّها جسدّت أكثر من فكرة وأكثر من طريقة واحدة لقراءة اللوحة ، ومثلّت افتتان الفنان بالتأثيرات البصرية والإدراك البصري السابق لأوان عصره ، حيث استخدم مختلف التقنيات التصويرية التي مزجت بين الفن التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي واستخدام التقنية الثلاثية الأبعاد في الرسم لتترك الرائي في وهم بصري يؤثر على إحساسه بالواقع ، بالإضافة إلى لوحاته الأخرى التي بُنيت على مبدأ الانفعالات السريالية التي تُظهر ما خلف الحقيقة البصرية الظاهرة وتُناقش اضطرابات وأحاسيس داخلية في الفنان والتي تطلبت تحليل لتلك اللوحات وفك رموزها من قِبل الفنانين والنقاد ، أشهر لوحاته غرابة هي تلك اللوحة التي رسمها في عام 1931م وحَمِلت عنوان " إصرار الذاكرة " حيث رسمها بعد استقباله لعدد من الضيوف في منزله فجلس على الطاولة ليمارس هوايته في تلك اللوحة التي تحوي من المظهر الخارجي مشهد ساعات آخذة في الذوبان وقد تعني الوقت الطويل الغير مستفاد منه ويقول آخرون أنها تعني بقاء الذكريات وانتهاء الأحلام  ، ولكن اللوحة في تفاصيلها المحتوية على أغصان الشجر والمنحدرات والصخور وأنواع الخطوط المستقيمة منها والعمودية والملتوية ووجود النمل والعلاقات اللونية وغيرها الكثير ، ما جعل النقاد والمحللون ينغمسون في تحليلها حتى اليوم ولكلٍ رأي! 




 الجيوكندا وسر الابتسامة

  تكاد تكون هذه اللوحة هي الأشهر على مستوى العالم بالدرجة الأولى ومبدعها هو الفنان الايطالي " ليوناردو دافنشي " الذي يحمل قدراً عالياً من العبقرية حيث وجد العلماء أن نسبة ذكائه هي 160 ، بعد إخضاع أعماله وسيرة سلوكة لاختبار الذكاء العالمي " IQ  "   .

لايخفى على الكثيرين أن هذه اللوحة صُنفت كإحدى المعجزات العبقرية في العالم ، فقد يرى الناظر للوحة بشكل اعتيادي امرأة مبتسمة بشكل غامض ومحير ، إلا أنّ هذه المرأة مازالت تحوم حولها الكثير من التأويلات فالبعض منها يذهب إلى كونها صورة لليوناردو دافنشي مخبأةً بغطاء الطبيعة ، وقد فسر النقاد أنّ تلك الابتسامة تجسيداً للزمن الذي يمضي وينتهي حيث يحدُّها من اليسار جسر وعن يمين المرأة فوضى تمثلت في تراب وصخور فهي تجمع بين التناقضات البشرية من ابتسامة تعني الحياة والتفاؤل والخير إلى غموض الطبيعة وحيرة الابتسامة التي توحي بالشر والعُسر والظلام ، في حين يرى آخرون أنّ اللوحة بسيطة جداً فهي صورة نصفية لزوجة أحد كبار التجار في ايطاليا يُدعى " فرانسيسكو ويل جيوكندو" واسمها "مونا - ليزا " ، ويزعم البعض أنّ خلفية اللوحة تحوي بعض الحيوانات كالأسد والقرد والجاموس والثعبان ويحلق بعضها في الهواء وأنّ الموناليزا تعبير عن الحسد فقط ، ومن الغريب أن عالم النفس الشهير سيغموند فرويد أرجع سر ابتسامة الموناليزا الغريبة إلى مستوى اللاوعي وطفولة دافنشي البائسة والتي حُرم فيها من والدته وتخللها انحراف جنسي !

 فلا تزال الجيوكندا وشخصية دافنشي حتى يومنا هذا مثار جدل الكثيرين ، يُذكر أنّ دافنشي أول من استخدم تقنية الإسقاط المتوسط الذي تجمع بين الجانب والأمام من جسد الفرد في عصر النهضة وقد أبدع في استخدام المزج التدريجي للألوان. 




السفيران

   اكتملت لوحة " السفيران " للفنان الألماني هانز هولبين الأصغر قبل خمسة قرون من الآن وحتى القرن الحالي مازالت مثار جدل حيث أنّها تحوي الكثير من الرموز التي كانت بمثابة شيفرات دخول لعصر النهضة الأوروبية آنذاك ، حيث مزجت اللوحة بين كل ماهو دنيوي من علم ومعارف وأدواتهما في الجزء العلوي من الطاولة من آلة تحديد الوقت والإسطرلاب والكرة الأرضية وكل ما يمت بصلة إلى الروح والدين في أسفل الطاولة  مثل الكتابين والآلة الموسيقية ذي الوتر المقطوع ، كذلك نظرة كلا الرجلين الحادة وأسلوب وقوفهما يوحيان بأنهما في منافسة بين العلم والدين أو على العكس تماماً في تناغم تام ، وهنا التساؤل الذي يطرحه بعض النقاد هل يدعو الرسام إلى الموازنة بين كل هذه العناصر والمواد في هذه اللوحة أم أنه يود إيصال فكرة فحواها طغيان المادية على تفكير الفرد ؟! ، إضافة إلى توسط هيكل الجمجمة في الجزء السفلي من اللوحة والتي لا تتضح هيئتها إلا بعد تكبير الصورة أو تعديلها بإحدى برامج تعديل وتحرير الصور ، فبالرغم من بساطة اللوحة يظهر التعقيد جلياً في امتلاء تفاصيلها.




غيرنيكا ذي الكائنات الملقاة !

  غيرنيكا هي أحد أشهر اللوحات لأحد أشهر الرسامين عبر التاريخ وأحد رواد الفن في القرن العشرين ومؤسس الحركة التكعيبية  ، بابلو بيكاسو الرسام الاسباني الذي رسم العديد من اللوحات التي تمت محاكاتها في العديد من مجالات الحياة اليوم كالأزياء والمفروشات العصرية ، وأحد أشهر لوحاته هي لوحة الغيرنيكا وهي اللوحة التي عبّرت بشكل غامض عن مأساة الحرب والمعاناة التي تلحقها بالشعوب وقد أشار فيها إلى صراعه مع الحروب التي عايشها في عصره كالحرب الأهلية الاسبانية والحروب العالمية الأولى والثانية ، ويُقال بأنّه استوحى تلك اللوحة من السينما وليس من الواقع ، تحديداً من فيلم حمل عنوان رواية للكاتب الأمريكي إرنست همنجواي " وداعاً للسلاح "  ، وقد تركت هذه اللوحة الأذهان مفتوحة على مصراعيها للتحليل والتفسير ، حيث ذهب بعض النقّاد إلى إضفاء بعض الألوان على خلفية اللوحة لإدراك مغزاها ، حينها تبين أنّ بيكاسو قد تأثر كثيراً بمصارعة الثيران أيضاً وهي الهواية التي اشتُهر بها الاسبانيون ويتضح ذلك في مخالفة اللوحة للنظام المعتاد لمصارعة الثيران في انتصار المصارع فظهر الثور في الشق الأيسر واقفاً منفرداً بصبر في حين قضى المصارع نحبه ، مستلقياً ميتاً وبيده الرمح المستخدم غالباً في اللعبة ، كما تظهر اللوحة جثث البشر والحيوانات التي تظهر رؤوسهم مائلة إلى الخلف على حد تفسير غالبية النقّاد ، في حين يرى آخرون وجود بعض الكائنات في مواجهة الخوف وبعض الخيول التي تموت ألماً وقد اُعتبر الخيل هنا رمزاً للمقاومة الوطنية ، ويظهر في الشق الأيسر أيضاً أم تنتحب وتمسك بطفلها المتوفي جرّاء القصف ، كذلك المصباح في وسط اللوحة والذي رُسم في منتصف شكل هندسي يُشبه العين ماقد يوحي بالأمل بعد العتمة .

ولكون اللوحة تحمل الكثير من السريالية واستخدام الفن التكعيبي زادها غموضاً ،  فبين طياتها الكثير من الكائنات والأجساد التي لاتتضح للفرد من أول نظرة وتحتاج إلى تعمق في اللوحة لإدراكها ، حيث رأى شق آخر من المتذوقين للفن السريالي أن اللوحة تُظهِر ثلاث نسوة  إحداهن تبحث عن الضوء ويتجه نظرها للجزء العلوي والأخرى ذات الذراع الطويل الذي تُخرجِه من نافذة مشتعلة  والثالثة امرأة مُحاصرة في المبنى المحترق تصرخ من الرعب والخوف ويرون أن اللوحة تحمل أعضاء ممزقة ومترامية للجسد البشري ،  وفي تعدد وجهات النظر سعة وجمال كبير.




صرخة قلق

يحكي الرسام النرويجي إدفارت مونك عن ذلك المشهد البسيط الذي ألهمه كي يرسم تلك اللوحة قائلاً : " كنت أمشي برفقة صديقين على مقربة من إحدى الجسور وكانت الشمس تميل إلى الغروب ، حينها غمرني شعور مباغت بالحزن والكآبة وتحولت السماء في عينيّ إلى لون أحمر كلون الدماء ، وقد أسندتُ ظهري إلى القضبان الحديدية وواصل الصديقان مشيهما ، حينها شعرت بصرخة عظيمة تتردد عبر أرجاء الكون والطبيعة المجاورة " ، يرى الكثير من الفنانين والنقاد أن هذه اللوحة أيقونة القلق الحديث المتفشي في هذا العصر المكتظ بالتقنيات المختلفة بالرغم من رسمها قبل آلاف السنوات ، فهي تجسد حالة داخلية نفسية بصورة درامية مزعجة .

الرسالة العامة التي تحملها هذه اللوحة قد تبدو واضحة للعيان ولكن التفسيرات قد تعددت ، فهل هي صرخة كونية تمثلت في السماء الحمراء والأشخاص الراحلون وألوان الطبيعة الصارخة والماء الضارب في العتمة أم أنها صرخة بشرية صدرت من شخص قلق ومكتئب تمثل ذلك في الوجه المرعب الخائف والذي يحمل رأساً كبيراً وأعين محدقة ؟ أم أن اللوحة تهدف إلى المزح بين كليهما وتُظهر تأثير صرخة البشر على الطبيعة ؟! ورغم تعدد التفسيرات يبقى الإبداع في وصف النفس المعذبة والإحساس الوجودي كامن في هذه اللوحة.

يُذكر بأن اللوحة استخدمت كقناع لبعض الشخصيات في فيلم سينمائي أُصدر في عام 1996 م يحمل عنوانها.



 الرقم 5

هي لوحة للرسام الأمريكي جاكسون بولوك وهو أحد رواد الحركة التعبيرية التجريدية في عام 1984م ، ويرى الكثير من النقاد أن سبب ارتفاع تكلفة هذه اللوحة لا يعود إلى شئ سوى تجردها البحت وبساطتها حيث بيعت بمبلغ 140 مليون دولار ، في حين يرى بعض الفنانون الآخرون أنّ اللوحة ليست سوى بعضٌ من رش الأصباغ لاتعدو عن كونها أشبه بعش طير ! وأنها مجرد آثار لحركات عفوية يمكن لأي فرد القيام بها.




عناق مرعب

تمتلئ لوحات الممثل البولندي تجيسلاف بيشينيسكي بالمشاهد الكئيبة فيغلب عليها الطابع المفجع الذي يُذكرنا بأفلام الرعب السينمائية ، إلا أن لوحة " عناق "أضفت بعداً آخر ولمسة درامية تعبر عن الحب والود ، لذا فقد صنفت لوحات هذا الرسام ضمن " الجمال المرعب " ومن الغريب أنه كان يرفض تصنيف لوحاته أو إطلاق المسميات عليها ويرفض تحليل لوحاته وكان يرى أن لوحاته لابد أن تحيي الأمل والتفاؤل وتبعث الدعابة في روح الناظرين إليها لا أن تُخيفهم ! ، كما كان يتسم بشخصية متواضعة ومتفائلة ويرى الموسيقى مصدر رئيسي للإلهام ، يرى النقاد أن أعمال هذا الفنان تتصف بالغموض وهي قد تكون تخيلات مستقبلية أو انعكاسات لبعض مشاعر العقل الباطن فيُعبّر عنها بهيئة مخلوقات غريبة الشكل ، لذا ليس من السهل فهم ماتهدف إليه وقد تتعدد الشروحات !. 



تعليقات