الألوان ، سر فرح الشعوب


    



 الألوان هي مزيج انعكاسات الضوء عن الأشياء ولكل انعكاس موجات ضوئية لها ترددات مختلفة ويظهر اللون الذي تتأثر به أعيننا نتيجة عكس كل الأولان ماعدا ذلك اللون ، وبالتأكيد أنّ في خلق تنوع الألوان نعمة عظيمة حيث تتجلّى الألوان في كل مجالات حياتنا، وتؤثر فيها بشكل أو بآخر سواءً في التقنيات التي ترافقنا بشكل يومي أو في الأزياء التي نرتديها، أو في استعانتنا بتلك الألوان، لوصف بعض الحالات والمشاعر التي قد تمر بنا.


استطاع العالم الفيزيائي إسحاق نيوتن  في عام 1704م ، من وضع نظرية اعتمدها العالم أجمع وتنص على أنّ الألوان الأساسية ثلاثة ألوان فقط وهي الأزرق والأصفر والأحمر ، لكون عملية دمج هذه الألوان تنتج عنها جميع الألوان الأخرى ، كما أنّه لن نتمكن من خلال أي مزيج من الألوان الأخرى الفرعية  إنتاج تلك الألوان الأساسية ، وفي عصرنا الحالي ظهرت العديد من الألوان الحديثة التي تشكلت نتيجة الإبداع في النظام الجمعي بين تلك الألوان الثلاثة بواسطة التكنولوجيا الحديثة ، هنا نلقي نظرة على بعض استخدامات البشر للألوان في المناسبات المختلفة ، بالإضافة إلى بعض مظاهر تلك الألوان في الطبيعة.



الفوانيس الملونة لإدخال السرور على قلوب الأطفال

       أحاطت العديد من الأديان رموزها المقدسة بالألوان من خلال فنون متعددة كالرسم والزجاجيات والجداريات والفسيفساء والتخطيط وغيرها من الفنون ، وقد لجأت إلى خلط الألوان لما له من وجود يخطف الألباب ويؤثر في النفوس ويدعو للتأمل في الجمال ، ففي كل سنة تُعبّر جماعات من البشر عن الشكر والامتنان للخالق في طقوس مختلفة أبرزها مايقوم به المسلمون في شهر رمضان الفضيل من تعليق الفوانيس الملونة التي قد تفنن الصانعون في تزيينها والتي قد تتخذ طابعاً ترفيهياً بقصد إدخال السرور والفرح إلى قلوب الأطفال وترغيبهم في ذلك الشهر من العام ، يعود أصل الفكرة إلى العام 350 من الهجرة ، حين دخول " المعز لدين الله الفاطمي " إلى القاهرة وقد اُستقبل ترحيباً بالمشاعل والفوانيس المزخرفة بالألوان.




الكرنفالات الملونة لطرد الأرواح الشريرة

    ولايخفى على الغالبية حالة الفوران الملون الذي يجتاح العالم في منتصف شهر فبراير / شباط من كل عام ، حيث تقوم العديد من دول العالم مثل أمريكا ، أسبانيا ، بوليفيا ، ألمانيا ، النمسا ، إيطاليا ، سويسرا ، اليونان ، البرازيل ، هولندا وتركيا وغيرها الكثير ، بالاحتفال بما يسمى بـ "  الكرنفال " وهي احتفالات واستعراضات شعبية في شوارع المدن للرقص والعزف على الموسيقى وارتداء ملابس غريبة ملونة والتخفي بملابس تنكرية وأقنعة ملونة في بعض الأحيان وركوب العربات الكبيرة الملونة للتعبير عن الفرح ، يعود أصل هذا المهرجان إلى أتباع الديانة الكاثوليكية في ايطاليا عام 1650م حيث ابتعدوا حينها عن أكل اللحوم وارتدوا ملابس فضفاضة ملونة وخرجوا يجوبون الأزقة والشوارع مع دوآبهم وحيواناتهم  لطرد الأرواح الشريرة ! ومن حينها جرت عادة الاحتفال في كل عام.


الفلكور للحب، والماتريوشكا لأسرة سعيدة ومعطاءة

    كذلك مايقوم به القرويون من تأدية رقصات شعبية تُدعى بـ " الفلكلور " حيث يقومون بإحياء مناسبات مبهجة متعلقة بالسياحة أو الاقتصاد أو الدين ، ويرتدي المحتفلون والراقصون أزياء تكسوها الألوان تعبيراً عن الفرح أو الحب لزوار المنطقة من السائحون ، ومن إحدى مظاهر الاحتفالات القروية تحديداً في روسيا وبولندا وأوكرانيا والاتحاد السوفيتي قديماً " الماتريوشكا " وهي دمية مصنوعة من الخشب وملونة بألوان متفرقة وصاخبة ، مفرغة من الداخل لتحوي بداخلها دمية أخرى أصغر حجماً وتتوفر بسبعة أحجام متتالية متداخلة بعضها البعض ، تشبه الأراضي الزراعية الملونة والثلوج وتشبه الفن الأورثوذكسي البيزنطي والناظر لها يرى امرأة ممتلئة جسدياً وسعيدة روحياً وهي عُرف ساد في احتفالات الفلكلور وانتشرت حديثاً ويُقال بأنها إحدى الرموز التي تعبر عن العطاء والأمنيات بتكوين أسرة صالحة ، وتتجلى الألوان أيضاً في احتفالات القرويين في تزيين البيض برسوم ملونة وارتداء القفازات الصوفية المشغولة باليد ذات الطابع اللوني الفاتح.


ظاهرة الوجوة الملونة

   الوجوه الملونة عُرفت مع القبائل القروية في بادئ الأمر ، وكانت لها وظائف مختلفة منها طرد الأرواح الشريرة والتمييز بين كبير القبيلة وباقي أفرادها وبين قبيلةٍ وقبيلةٍ أخرى ، ومن ثمّ اتجهت الصين في القرن الثامن عشر لتلوين وجوه الممثلين الذين يُطلّون على المسرح كي ينسى الجمهور وجه الممثل الحقيقي ويبقى تركيزهم مُنصّباً على الأدوار والحبكة المسرحية والقصصية ، ومن ثم تحول اللون الأبيض إلى الاختباء من الحكومة في المسرح الايطالي خاصة في العروض الكوميدية " D ell arte comedia " من قبل شخصية المهرج " Pierrot " ، ومع أولى أيام السينما تحديداً في التسعينات الميلادية ظهرت شخصية المهرج بلا وجه أبيض وبملابس رثة تحكي معاناة الناس الاجتماعية والاقتصادية بأسلوب فكاهي كالعملاق شارلي شابلن ، وبعد رحيله أصبحنا نرى هذه الشخصية في السيرك ، يلون الممثل وجهه  بالعديد من الألوان الصاخبة والفاتحة ويرتدي ملابس واسعة وملونة ويدَعي أنّه أبله بهدف إسعاد وإمتاع الآخرين ، ومن ثمَ أصبحت تلك الأزياء ماركة مسجلة ، ليتمكن الفرد العادي في عالمنا اليوم من شراءها وتزيين وجهه بالألوان ويتقمص دور المهرج. 


العظّاءة الأفريقية الملونة

   وتتلاقي الألوان في الطبيعة أيضاً ، فلن ننسى قوس قزح الذي يحمل ألوان الطيف السبعة والذي يظهر بعد غمرة روح الأرض وسُكّانها بالفرح لهطول الأمطار ، ولا يمكننا أن نتقبل شكل حديقة موحدة اللون ، إذ لابد من طيور وفراشات وورود وأزهار ملونة ، ومن إعجاز الخالق وجود ألوان تختفي ومن ثم تظهر في ومضة عين ! ، ذلك هو حيوان العظاءة الأفريقية أو الحرباء وتُدعى باللاتينية " Chameleon " وهي من فصيلة آكلات اللحوم وحيوان مفترس ، تستطيع تغيير ألوانها بين الزهري ، الأزرق ، الأحمر ، البرتقالي ، الأخضر ، الأصفر ، الفيروزي والبني لأغراض متعددة منها التمويه وحماية ذاتها من الحيوانات الأخرى ، وهي تُعبّر أيضاً عن حالتها الانفعالية والنفسية من خلال تلك الألوان مثل الخطر والحب والجوع والمرض وغيره ، كما تستخدم تلك الألوان للتواصل فيما بينها ، ومهما كان لون الحرباء يصبح لونها أغمق عند ارتفاع درجة حرارتها وعند تعرضها للحر الشديد ، ويصبح لونها أفتح في المساء ويقترب لونها من البياض حين تخلد إلى النوم ، وفي وقت العراك يميل لون الحرباء الذكر إلى اللون الأحمر وفي حالة الاستقرار تكون خضراء أما اللون الفستقي فهو لون الأنثى عند استعدادها للتزاوج.


ليلة ميلاد المسيح تضج بالألوان تفاؤلاً واستبشاراً

   ومايقوم به المسيحيون في كل أنحاء العالم ليلة ميلاد المسيح من إحاطة الأجواء بالكثير من الألوان كالأشجار الخضراء والتي تشير في معتقدهم إلى أنّها رمزاً للخلود ، تعلوها النجمة التي تدل على إعطاء الأمل ببشارة الملائكة وقدوم المسيح ، بالإضافة إلى الأجراس والسلاسل الذهبية والكرات والجوارب الحمراء وندف الثلج البيضاء وشموع وقوالب حلوى على شكل غصن شجرة وغيرها من مظاهر الزينة في المدن التي لاتتصدر فيها سوى الألوان كشاهدة على الفرح والتفاؤل بعام جديد.


رش الألوان لشكر الآلهة!

   كذلك البوذيون والهندوسيين خاصة في الهند في البلد الذي لا تنقصه الألوان فهو متعدد الطوائف ومتعدد الأشكال والطبقات البشرية ، تلك احتفالات التي يقومون بها كتقديم عربون شكر للآلهة كما يزعمون والتي تُقام في الثامن والتاسع من آذار في كل عام فيقومون حينها برش بعضهم البعض بمساحيق البودرة الملونة والمياه الملونة أيضا!

العلاج بالألوان


    وفي تلك الألوان قد يُخلق الشفاء وسر لا يدركه إلا لمن خضع للتجربة أو آمن بالعلم ،  فالكروموتيرابي أو ما يُعرف بـ " العلاج بالألوان " ، حيث خلص الباحثون أخيراً إلى أنّ سلوكياتنا وتصرفاتنا تتأثر بالألوان من حولنا وتؤثر علينا بشكل مباشر ، وفي سنة 1878 م طرح العالم والباحث الأمريكي " دي بي غاديلي " نظريته التي تنص على أنّ لكل نظام من أنظمة الجسم لونه الخاص الذي يثيره وينبهه ولون آخر يعيق عمل ذلك العضو ، ومن خلال معرفة تلك الألوان يطبق اللون الصحيح ليحافظ ذلك العضو على اتزانه ويؤدي وظيفته بشكل سليم " ، ومن هنا كانت نظرية العلاج بالألوان التي تقوم على تعريض المصاب لذبذبات وإشعاعات لونية تساعد على الشفاء حيث أنّ طاقة اللون تدخل العين أو عبر الجلد فتهتز في النخاع الشوكي ومنه إلى كافة الجسد لتستقيم الحالة النفسية أو العضوية " الفيسيولوجية ".


الطعام الملون، خطر أكبر!

وكما قال عالم الاجتماع الفرنسي الشهير " أوغست كونت " أن المعرفة تتمثل في القدرة ، ومعرفة البشر لأهمية الألوان جعلت منها وسيلة بأيديهم لتطويعها بشكل ايجابي وشكل سلبي أيضاً حيث ظهرت الملونات الغذائية الصناعية والطعام الملون الجذّاب بغرض التجارة وترويج أنواع محددة من الأطعمة ، والتي ساهمت في انتشار العديد من المشكلات الصحية خاصة للأطفال مثل الربو والحساسية الجلدية وسوء الهضم وضعف جهاز المناعة ، ولاسيما أنها ساهمت بشكل كبير في زيادة نزلات البرد والصداع النصفي وآلام المفاصل ، كما أنها مسبب خطير للأمراض السرطانية التي تصيب البشر.



تعليقات