احذر من التخيل فقد يتحول حقيقة

  

    يعتقد الكاتب الألماني " ريتشارد فاغنر " أن الخيال يخلق الحقيقة " ، قد يعارضه الكثيرون وقد يتفقون معه ، فكثيرة هي تخيلات الإنسان التي تحولت الى تجليات ظاهرة للعيان في عصرٍ ما ، بعد أن كانت محض جنون أحدهم أو هاجساً من هواجس أحلامه ، وهاهي ذي بعض الظنون التي تتحول إلى واقع بعد أنّ كانت بذرة حلم مفترض ،  بعض من هذه الخيالات المتشعبة تم ذكره بأقلام الكُتّاب في روايات وقصص أدبية والبعض الآخر الذي عُرض عبر الشاشات الذهبية في الصالات السينمائية أصبح واقعاً فعلياً ، سنورد هنا بعض من تلك الاختراعات و الأدوات الحديثة التي ابتدأت بنص كاتب جامح الخيال او مشهد  سينمائي خارج عن المألوف ! .

أدب الأفكار

   الخيال العلمي  هو نوع من انواع الخيال الأدبي الذي يتضمن مجموعة واسعة من الانماط الفرعية والممزوج ببعض النظريات العلمية مثل النظريات الفيزيائية والتكنولوجية و الفلسفية وغيرها ، وهو يستشف الابتكارات والتغيرات اللاحقة  قبل أوانها ، وقد يتراءى للعامة أنه حديث وهمي ولكنه معقول الى حد كبير ووفق السياق والمنهج العلمي الذي تمّ اتباعه من قبل المُتخيِل ، أفضل من عرّفه بإيجاز هو عميد الخيال العلمي الكاتب الأمريكي " روبرت هيينلين " حيث قال : "هو تكهنات واقعية حول أحداث مستقبلية محتملة ، مستندة على المعرفة الكافية حول أمرٍ ما في الماضي والحاضر ، وعلى فهم دقيق لطبيعة وأهمية المنهج العلمي " ، وقد أُطلق عليه حديثاً في عام 2003 لقب " أدب الأفكار "  .



" ميكروبات مترجمة" ،، بوابة الترجمة الأولى ! 


    في مسلسل الفانتازيا التلفزيوني " Farscape " لعام 1999م ، يتم حقن رائد الفضاء جون كرايتون ببكتيريا تدعى " ميكروبات الترجمة " التي تترجم أي معلومات منطوقة  كنوع من " المترجم العالمي "  حيث تستوطن هذه الميكروبات جذع الدماغ المضيف وتقوم بترجمة أي شئ يتحدث إليها وكانت الميكروبات في بعض الأحيان تفشل في ترجمة الجمل العامية فتقوم بالترجمة الحرفية ، وهانحن اليوم نعيش في عالم الهواتف الذكية الذي يمتلأ بأنواع  مختلفة ومتباينة من برامج الترجمة لجميع اللغات ، وماقامت به شركة مايكروسوفت من إطلاق خدمة " سكايب المترجم " في عام 2014 شبيهاً بذلك إلى حدٍ كبير ،  هذه الخدمة متوفرة في برنامج سكايب حالياً وهي تحوي 50 لغة ،  حيث يقوم هذا المترجم بترجمة محادثتك إلى اللغة التي تود التخاطب بها مع الطرف الآخر ،  ميزه هذه التقنية أنّها تتخطى حدود اللغات في التواصل مع الآخرين مختصره بذلك المسافات ومقلّلة من ثقل الحواجز بين الأشخاص.




السيارة الطائرة قادمة 

   في فيلم الخيال العلمي والإثارة الأمريكي " Blade Runner  " الذي تمّ إنتاجه في عام 1982 ، استقلّ رجل الشرطة ريك ديكارد ( هاريسون فورد ) سيارة قادرة على الطيران والإقلاع بشكل عمودي وقادرة على السفر من وإلى الأرض ، وقد بات هذا الحلم حقيقة ، حيث قامت  الشركة الأمريكية " Terrafugia  " بتصميم النموذج الأولي للسيارة الطائرة والتي أُطلق عليها اسم " The Transition  " في عام 2012 م ، وتحمل معايير كلاً من  محركات السيارات والطائرات  كما قامت الشركة بتطويرها أخيراً عبر إدخال الكثير من المميزات مثل إيجاد نظام المظلة الكاملة للمركبة  وعدم حاجة المركبة الى مدرج للإقلاع وذلك لتوفر دوارات كهربائية تدفعها للطيران وتتلاءم مع كلٍ من حالتي الإقلاع والهبوط  ، كما كشفت الشركة النقاب عن المرحلة الانتقالية لهذا التصنيع في عام 2013 م وقالت أن السيارة الطائرة ستصبح أكثر أمناً من السيارات الحديثة ولن يستغرق تعلم قيادتها أكثر من خمس ساعات فقط ! .  

يُذكر أنّ التكلفة الحالية التي أعربت عنها الشركة هي " 200،000 جنية استرليني " وستكون السيارة الطائرة معروضة للبيع في عام 2021 م على أقرب تقدير . 


جهاز الحجب البصري لإخفاء ثلاثي الأبعاد 

      في عام 1956 ، أظهر فيلم الخيال العلمي الأمريكي " Forbidden Planet  " طاقم الفضاء الذين يصلون إلى كوكب غامض ويتعرضون للهجوم من قبل الوحش الذي يجعل نفسه غير مرئي ، وقد طوّر علماء من جامعة روشستر الأمريكية أول جهاز للحجب البصري في عام 2014 ،  يحتوي على عدسات قادرة على ثني الضوء حول الكائنات بطريقة ثلاثية الأبعاد بحيث من الممكن أن نرى صورة واضحة عن ما وراء الجزء المخفي ، حتى عندما يتم النظر إليه من زوايا واتجاهات متعددة.




أجهزة التواصل اللاسلكية 


     توقع المخترع الكرواتي " نيكولا تيسلا " في إحدى مقابلاته مع صحيفة النيويورك تايمز في عام 1909م ،  قائلاً : " قريباً سيكون من الممكن نقل الرسائل اللاسلكية في جميع أنحاء العالم حتى ببساطة أن أي شخص سيمتلك ويقوم بتشغيل جهازه الخاص " .



بطاقات الائتمان متوقعة قبل قرن ! 

     عالم المال والتمويل كان مختلفاً تماماً قبل قرنٍ من الزمان ، بلا بطاقات ائتمان ولايمكن الوصول إلى الأرصدة البنكية الكترونياً ، ولكن الكاتب والروائي الأمريكي  " ادوارد بيلامي " قد وصف التقدم في المجال البنكي الحالي في عام 1888م في روايته " Looking Backward " حيث  قال : " مواطنو المدينة الفاضلة في المستقبل يحملون البطاقة التي تتيح لهم قضاء احتياجاتهم من السلع والخدمات عبر الائتمان من البنك المركزي ،  بدون الحاجة إلى تبادل الورق النقدي " .



الروبوت " الآنسان الآلي " 


     لعل أهم المفاهيم التي لازالت تستحوذ على عقلية معظم البشر هي إمكانية استحداث كائنا آلياً مسخراً لخدمة الإنسان  وقد زخرت الأساطير بهذا الخيال منها الأسطورة اليونانية التي تنص على بناء الإله " هيفايستوس " لطاولة تملك ثلاثة أرجل ورجل برونزي وكلاهما يخضعان لسيطرته ، ومنذ ماقبل القرن الرابع قبل الميلاد ابتدأ اهتمام الفرد البشري بذلك حيث قام عالم الرياضيات " أركيتاس " بصنع حمامة آلية قادرة على الطيران ، ولُقب العالم المسلم " الجزري " بلقب " أبي الإنسان الآلي " لاهتمامه بالآلات الميكانيكية المختلفة ، حيث قدّم رسالة سرد فيها الأجهزة الآلية التي استخدمها العرب وأسهب في وصف " نافورة الطاووس " وهي آلة تستخدم في غسل الأيدي بالمياه والصابون وتقدم المنشفة للحاكم ، وفي أوروبا كان أول ظهور للأفراد الآليون تحت مسمى " روبوت " في مسرحية " رجال رسوم الآلية العالمية " في عام 1920 م ، وهاهي الروبوتات في عالمنا تزداد بشكل متسارع ويتحتم استخدامها بعض الأحيان لتسهيل بعض مهام الحياة اليومية مثل ما قامت به دولة اليابان من استحداث روبوتات تقوم بالتنظيف والكنس في الفضاء وماقام به باحثون في ألمانيا من تطوير " سيارة روبوت بالتحكم الذاتي " مع أجهزة استشعار وماسحات ضوئية وأنظمة الكاميرات التي قد تقلل من الوفيات في حال حدوث أي تفجيرات عسكرية  ، وَ آخر ماتوصل اليه الباحثون في عامنا الحالي " بيبير " الروبوت العاطفي الذي يسهل عليه قراءة العواطف ويتحدث بالعديد من اللغات  ، كما لا يخفى على القارئين أشهر رواية تحدثت عن الروبوتات وهي رواية " I robot  " للكاتب إسحاق أسيموف والتي أصدرها في عام 1950 م ، حيث تحدث فيها عن أخلاقيات الروبوت وتم تحويلها إلى فيلم سينمائي أمريكي أشاد به الباحثون وجسّد البطولة فيه الفنان الشهير " ويل سميث " وهو يحكي  قصة صنع الآليين ومساعدتهم للبشر وانتفاضه بعضهم على البشرية أيضاً ! 






الآيباد في ذاكرة كلارك وحُلمه .. 


      تعج كتب الخيال العلمي بالكثير من الابتكارات التي تنبأ بها كاتبيها وأحد روّاد الخيال العلمي هو الروائي والمخترع البريطاني " آرثر سي كلارك " ولعله هو الأعظم فقد تنبأ سابقاً بالجهاز الذي أحدث ثورة تقنية في عالم التقنيات المتطورة والحواسيب المُصغّرة حين أعلنت شركة مايكروسوفت عن إصداره في مقتبل الألفية الحالية " 20001 " وهو جهاز الآيباد ، ولاريب في أن كلارك  حلم بهذا الجهاز ووصفه في روايته الشهيرة التي تحولت فيما بعد إلى فيلم سينمائي " أوديسة الفضاء " والتي صدرت في عام 1968 م ،  حيث قال في إحدى الفقرات واصفاً إياه : " وعندما تَعِب من التقارير والمذكرات الرسمية والدقيقة ، حينها تمنى أن يقوم بنقلها إلى  شريحة أو دائرة المعلومات في الفلوسكاب الخاص به ويقوم بمسح آخر التقارير الواردة من كوكب الأرض ، وأن يستحضر الأوراق الالكترونية الكبرى في العالم مرة تلو أخرى ، وينتقل إلى وحدة العرض والذاكرة في وقت قصير ، كما تمنى أن يُبقي على الصفحة الأولى مفتوحة بينما يستعرض ويُنقّب بشكل عاجل بين عناوين الصحف ويبدي ملاحظاته حول العناصر التي تستحوذ على اهتمامه ، وعندما يقوم بنكز الطوابع البريدية على السطح ،  تتسع حتى تملأ الشاشة بدقة ليتمكن من القراءة عليها بأريحية تامة ، وعندما ينتهي من كل ذلك يعود الى الصفحة الكاملة واختيار موضوعات جديدة لبحث تفصيلي  ، كما تمنّى أن يمتلك رقمين مرجعيين ! " . 




ألعاب الفيديو ومشاركة حتى في الخيال ! 


     ألعاب الواقع الافتراضي أو ما تُعرف بألعاب الفيديو والتي تعتمد على وجود بيئة تحاكي الواقع من خلال العوالم المتخيلة والتي ظهرت بشكل فعلي في العام 1977 م من خلال برنامج محاكاة افتراضي قام به معهد ماساتشوستس الأمريكي ولكنها ذُكرت بشكل وصفي دقيق في رواية " المدينة والنجوم " لآرثر سي كلارك والتي صدرت في عام 1958 حيث قال : " من بين آلالاف من أشكال الترفية في المدينة ، كانت هي الأكثر شعبية ، عندما دخلتُ في القصة ، لم أكن مجرد مراقب سلبي ، كنتُ مشاركاً نشطاً ويمتلك أو بدأ بامتلاك الإرادة الحرة ، وقد تم إعداد الأحداث والمشاهد التي هي المواد الخام لمغامراتك سلفاً ، من قبل فنانون منسيون ، و يمكنك الذهاب إلى تلك العوالم الوهمية مع أصدقائك والخوض في إثارة غير مسبوقة ويستمر التخيل والحلم ولاتوجد طريقة لتمييزه عن الواقع " .




مضادات الاكتئاب 


    ألدوس هكسلي ، هو أيضاً قد تنبأ بوجود عقاقير مضادة للاكتئاب قبل اكتشافها من قبل العلماء في عام 1950 م وخضوعها للبحث التجريبي ، حيث كتب أحد أهم أعماله وهي رواية " عالم حديث شجاع " في عام 1931م ، ووصف في الرواية قدرة الطب على تغيير الحالة المزاجية للأفراد وتمكُن الأطباء من الحفاظ على عقلية سكان لندن في أمان وبعيداً عن الأعراض الاكتئابية التي قد تؤدي إلى سلوكيات سيئة ، كما وصف  الكاتب الأمريكي أثار استخدام ذلك العقار قائلاً : " أزال جدار منيع تماماً بين الكون الفعلي وعقولهم ".


السماعات 


   تمّ ابتكار أول سماعات للأذن والتي يتم استخدامها حالياً في عام 2001 تزامناً مع إطلاق الجيل الأول من الآيبود ، وقد وصف الكاتب البريطاني وأحد أعمدة أدب الرعب والفنتازيا والخيال العلمي " راي برادبري " في روايته الشهيرة " فهرنهايت 451 " والتي صدرت في عام 1950 م جهازاً أشبه بسماعات الأذن إلى حد كبير  فقال المخترعون أنه أول من ألهم العالم بها ، حيث قال : " وفي أذنيها صدف محشوة ، وأجهزة الراديو كشتبان محشو ضيق ومحيط الكتروني للصوت ، وموسيقى وأحاديث تتالى وتتالى بتعاقب في ضفة عقلها المتيقظ " .

تعليقات