الموت دافع


منذ أن تفتحت أعيننا على هذه العتبات والأنوار البهية والدنيا الوردية في طفولتنا انتقالا إلى شقاوة مراهقتنا ومن ثم إلى شبابنا الطائش ونحن نسمع هذه العبارات " عيش حياتك ،، الدنيا حلوة ،، الدنيا يومين .........والخ " ، بمعنى أن نحيا بكل معاني الحياة الممتعة فهي جميلة وأن نستغل كل لحظة فيها بل وكل دقيقة وكل ساعة ، بعد تأملي واطلاعي البسيط في تاريخ السلف الصالح وعظماء العالم من كُتـّاب وعلماء علوم تطبيقية وفلاسفة وغيرهم لم أجد هذا المفهوم هو السائد ، لم أقرأ سيرة عالم واحد كان " عايش حياته " بالعامية بكل ماأوتي من قوة ، وجدت أن أغلبهم كان يندرج تحت لائحة الحياة للموت أو يتجه إلى هذا المفهوم دون أن يعي .

الحياة لأجل الموت هي أن تحيا بكل ماهو جميل ومرضي في ذات الوقت لذاتك وأثره ممتد الى مابعد مماتك ، الحياة لأجل الموت أجمل وأرق بكثير من الحياة لأجل الحياة ، عندما نعيش لأجل الحياة نضطر مرغمين لمسايرة رتابة الحياة والانغماس في كل مالذ وطاب بغض النظر عن العواقب أو قد نتجاهل أحيانا عواقب ذلك وأثره على أنفسنا ومجتمعاتنا وأي كائن حي في محيطنا الداخلي أو الخارجي ، وقد نتخبط ونصطدم بعجلات الحياة ونمارس أقسى أنواع الخيانة لأنفسنا " خيانة لدورنا الفاعل أو لنقل خيانة لما استقر في ذواتنا ولم ندركه  " ومن ثم نلجأ إلى إسكات ذلك الكائن الذي نظنه قد تمرد علينا وهذا هو السبب الرئيسي للانحراف عامة في جميع مجالات الحياة وأركانها .
ففي هذا المفهوم مفارقة عجيبة ، إذ نظن أننا سنحصل على الأجمل ولكننا عفوياً نتجه الى مالا نريد ، ولا أعني هنا الحياة لأجل الحياة تلك الحياة المتسيبة بلا ضوابط أو أحكام أو خطط مستقبلية بل قد تكون مثالية في نظرنا ولكن لو تأملنا قليلا نجد أنها ناقصة وتحتاج إلى دواء لاكتساب العظمة ، وهنا تكمن لذة الحياة لأجل الموت ، بالرغم من ان مفهوم الموت يوجع ضمائرنا المتيقظة ويفزع لذاتنا القائمة ومسراتنا القادمة إلا أن هذا المفهوم أمتع وأجلب للسعادة من مفهوم الحياة لأجل الحياة ، ليس المطلوب منا أن نعيش في رعب أو يقظة وتخوف دائم من هذا الكائن القادم من حيث لانعرف ليغتال لحظاتنا الوديعه وسكناتنا الدافئة ومن ثم يسكننا دياراً باردة وقفاراً هائجة ، بل المقصد أن نرى مابعد الموت وما وراء الدنيا ، سندرك أننا نستحق الحياة حينها، فنترك أثراً جميلاً ونسـكّنُ آلاما متفشية ونرسم طريقاً سوياً ونداعب بشراً ونسامر قمراً ونضرب في الارض كي نقيم صرحاً لاحدود له .

الحياة لأجل الموت ، أدركها الرسول صلى الله عليه وسلم إذ كان يحفز الصحابة رضوان الله عليهم في أكثر من موضع بذكر الجائزة العظمى التي لن يرونها رؤية العين المجردة ، هذه الجائزة تنتظرهم لما بعد الموت ألا وهي " الجنة " ، الحياة لأجل الموت أدركها العقلاء الذي نصبوا أنفسهم حراساً لمهنة أو هواية أو حياة هم  اختاروها  قد نراها مقيدة ولكنها غير بائسة وجميلة،  ومن ثمّ يبقى أثر ماعملوا في هذه الدنيا على ألسنة وعقول البشر من بعدهم سنيناً طويلة ، باختصار شديد الحياة لأجل الموت هي أن تستمتع وتُمتع من حولك بوجودك دون أن تعود عليه بضرر عاجل أو آجل ، وهذا أيضا ماتوصلت اليه بعد  مشاهدتي لأغلب أفلام هوليود التي تطرقت لهذه الفكرة مثل
Just live or something lik it  ، The last day in Earth ، 
Veronica decides to die  وغيرهم الكثير ، كذلك بعد متابعتي لأغلب حوارات الأدباء واطلاعي على بعض المذكرات التي نشرت ، وحُق لي ان اشكر من تأثرت بأدبها كثيراً الكاتبة أحلام مستغانمي وأستدل بجملة لها هنا لخصت مايجب أن نمتلكه كي نحيا بحق ونـُخلـّد
 " مازلت أحلم بحب كبير ، بقضية كبرى وبموت جميل " .





تعليقات